فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

{الم} ذكر في البقرة.
{أحسب الناس أن يتركوا} نزلت في قوم من المؤمنين، كانوا بمكة مسضعفين منهم عمار بن ياسر وغيره، وكان كفار قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام، فضاقت صدورهم بذلك. فآنسهم الله بهذه الآية. ووعظهم وأخبرهم أن ذلك اختبار، ليوطنوا أنفسهم على الصبر على الأذى، والثبوت على الإيمان، فأعلمهم الله تعالى أن تلك سيرته في عباده، يسلط الكفار على المؤمنين ليمحصهم بذلك، ويظهر الصادق في إيمانه من الكاذب، ولفظها مع ذلك عام، فحكمها على العموم في كل من أصابته فتنة، من معصية أو مضرة في النفس والمال وغير ذلك، ومعنى {حسب} ظن، و{أن يتركوا} مفعولها، والهمزة للإنكار {وهم لا يفتنون} في موضع الحال في يتركوا تقديره غير مفتونين، وأن يقولوا: تعليل في موضع المفعول من أجله.
{فليعلمن الله الذين صدقوا} أي يعلم صدقهم علما ظاهرا في الوجود، وقد كان علمه في الأزل والصدق والكذب في الآية يعني بهما صحة الإيمان والثبوت عليه، أو ضد ذلك.
{أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا} أم معادلة لقوله: {أحسب الناس} والمراد ب {الذين يعملون السيئات} الكفار، الذي يعذبون المؤمنين، ولفظها مع ذلك عام في كل كافر أو عاص، ومعنى يسبقونا: يفوتون من عقابنا ويعجزوننا، فمعنى الكلام نفي سبقهم. كما أن معنى الآية قبلها، نفي ترك المؤمنين بغير فتنة.
{من كان يرجو لقاء الله} الآية: تسلية المؤمنين، ووعد لهم بالخير في الدار الآخرة، والرجاء هنا على بابه، وقيل: هو بمعنى الخوف، {أجل الله} هو الموت، ومعنى الآية: من كان يرجو ثواب الله فليصبر وفي الدنيا، على المجاهدة في طاعة الله حتى يلقى الله، فيجازيه فإن لقاء الله قريب الإتيان، وكل ما هو آت قريب.
{ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} أي منفعة جهاده فإنما هي لنفسه، فإن الله لا تنفعه طاعة العباد، والجهاد هنا يحتمل أن يراد به القتال، أو جهاد النفس.
{حسنا} منصوب بفعل مضمر تقديره: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه حسنا، أو مصدرا من معنى وصينا أي وصية حسنة {وإن جاهداك لتشرك بي} الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص، وأنه لما أسلم حلفت أمهك أن لا تستظل بظل حتى يكفر وقيل: نزلت في غيره ممن جرى له مثل ذلك، فأمرهم الله بالثبات على الإسلام، وألا يطيعوا الوالدين إذا أمروهم بالكفر، وعبر عن أمر الوالدين بالجهاد مبالغة.
{ومن الناس من يقول آمنا بالله} نزلت في قوم كانوا مؤمنين بألسنتهم، فإذا عذبهم الكفار رجعوا عن الإيمان، فإذا نصر الله المؤمنين قالوا: إنا كنا معكم، فمعنى أوذي في الله أوذي بسبب إيمانه بالله، وفتنة الناس، تعذيبهم، وقيل: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه.
{اتبعوا سبيلنا} أي قال الكافر للمؤمنين: اكفروا كما كفرنا، ونحمل نحن عنكم الإثم والعقاب إن كان، وروي أن قائل هذه المقالة الوليد بن المغيرة حكاه المهدوي، وقولهم: {ولنحمل خطاياكم} حزاء قولهم: {اتبعوا سبيلنا} ولكنهم ذكروه على وجه الأمر للمبالغة، ولما كان معنى الخبر صحة تكذيبهم فيه أخبره الله أنهم كاذبون: أي لا يحملون أوزار هؤلاء، بل يحملون أوزار أنفسهم وأوزار أتباعهم من الكفار.
{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} الظاهر أنه لبث هذه المدة بعد بعثه، ويحتمل أن يكون ذلك من أول ولادته، وروي أنه بعث وهو ابن أربعين سنة، وأنه عمر بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة فإن قيل: لم قال ألف سنة، ثم قال إلا خمسين عاما؟ فاختلف اللفظ مع اتفاق المعنى؟ فالجواب أن ذلك كراهة لتكرار لفظ السنة، فإن التكرار مكروه إلا إذا قصد به تفخيم أو تهويل.
{وجعلناهآ آية} يحتمل أن يعود الضمير على السفينة، أو على النجاة، أو على القصة بكاملها.
{وتخلقون إفكا} هو من الخلقة يريد به نحت الأصنام فسماه خلقة على وجه التجوز، وقيل هو من اختلاق الكذب {لا يملكون لكم رزقا} الآية: احتجاج على الوحدانية ونفي الشركاء، فإن قيل: لم نكر الرزق أولا، ثم عرفه في قوله: {فابتغوا عند الله}؟ فالجواب: أنه نكره في قوله: {لا يملكون لكم رزقا} لقصد العموم في النفي، فإن النكرة في سياق النفي تقتضي العموم. ثم عرفه بعد ذلك لقصد العموم في طلب الرزق كله من الله، لأنه لا يقتضي العموم، في سياق الإثبات إلا مع التعريف فكأنه قال: ابتغوا الرزق كله عند الله.
{وإن تكذبوا} الآية يحتمل أن تكون من كلام إبراهيم أو من كلام الله تعالى، ويحتمل مع ذلك أن يراد به وعيد الكفار وتهديدهم، أو يراد به تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عن تكذيب قومه له، بالتأسي بغيره من الأنبياء، الذين كذبهم قومهم.
{أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق} يقال بدأ الله الخلق وأبداه بمعنى واحد، وقد جاءت اللغتان في هذه السورة والمعنى: أو لم ير الكفار أن الله خلق الخلق فيستدلون بالخلقة الأولى على الإعادة في الحشر، فقوله: {ثم يعيده} ليس بمعطوف على يبدأ، لأن المعنى فيهما مختلف، لأن رؤية البداءة بالمشاهدة، بخلاف الإعادة فإنها تعلم بالنظر والاستدلال، وإنما هو معطوف على الجملة كلها، وقد قيل: إنه يريد إعادة النبات، وإبدائه، وعلى هذا يكون {ثم يعيده} عطفا على يبدىء لاتفاق المعنى، والأول أحسن وأليق بمقاصد الكلام {إن ذلك على الله يسير} يعني إعادة الخلق وهي حشرهم، ثم أمرهم بالسير في الأرض ليروا مخلوقات الله فيستدلوا بها على قدرته على حشرهم، ولذلك ختمها بقوله: {إن الله على كل شيء قدير} {وإليه تقلبون} أي ترجعون.
{ومآ أنتم بمعجزين} أي لا تفوتون من عذاب الله وليس لكم مهرب في الأرض ولا في السماء.
{أولئك يئسوا من رحمتي} يحتمل أن يكون يأسهم في الآخرة، أو يكون وصف لحالهم في الدنيا، لأن الكافر يائس من رحمة الله، والمؤمن راج خائف، وهذا الكلام من قوله: {أولم يروا} إلى هنا: يحتمل أن يكون خطابا لمحمد صلى الله عليه وسلم معترضا بين قصة إبراهيم، ويحتمل أن يكون خطابا لإبراهيم وبعد ذلك ذكر جواب قومه له.
{مودة بينكم} نصب مودة على أنها مفعول من أجله أو مفعول ثاني لاتخذتم، ورفعها على أنها خبر ابتداء مضمر أو خبر إن، وتكون ما موصولة ونصب بينكم على الظرفية، وخفضه بالإضافة.
{فآمن له لوط} تضمن آمن معنى انقاد، ولذلك تعدى باللام {وقال إني مهاجر إلى ربي} القائل لذلك أبراهيم، وقيل: لوط، وهاجرا من بلادهما بأرض بابل إلى الشام.
{وجعلنا في ذريته النبوة} أكثر الأنبياء من ذرية إبراهيم، وعلى ذريته أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {الم أحسب الناس} أي أظن الناس {أن يتركوا} أي بغير اختبار وابتلاء {أن} أي بأن {يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم كلا لنختبرنهم لنبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب.
قيل: نزلت هذه الآية في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فأتبعهم المشركون فقاتلهم الكفار، فمنهم من قتل ومنهم من نجا فنزل الله هاتين الآيتين.
وقال ابن عباس: أراد بالناس الذين آمنوا بمكة سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم.
وقيل في عمار كان يعذب في الله تعالى وقيل في مهجع بن عبد الله مولى عمر وكان أول من قتل من المسلمين يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة» فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله هذه الآية ثم عزاهم فقال تعالى: {ولقد فتنا الذين قبلهم} يعني الأنبياء فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من قتل وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب {فليعلمن الله الذين صدقوا} أي في قولهم {وليعلمن الكاذبين} والله تعالى عالم بهم قبل الاختبار ومعنى الآية فليظهرن الله الصادقين من الكاذبين حتى يوجد معلومه.
وقيل إن آثار أفعال الحق صفة يظهر فيها كل ما يقع وما هو واقع.
قوله تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات} يعني الشرك {أن يسبقونا} أي يعجزونا فلا نقدر على الانتقام منهم {ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله} قال ابن عباس من كان يخشى العبث والحساب وقيل من كان يطمع في ثواب الله {فإن أجل الله لآت} يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب.
وقيل يوم القيامة لكائن والمعنى أن من يخشى الله ويؤمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم {وهو السميع العليم} أي يعلم ما يعمل العباد من الطاعة والمعصية فيثيبهم أو يعاقبهم أو يعفو.
قوله تعالى: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} أي له ثوابه وهذا بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق فإن الكريم إذا وعد وفى والجهاد هو الصبر على الأعداء والشدة وقد يكون في الحرب وقد يكون على مخالفة النفس {إن الله لغني عن العالمين} أي عن أعمالهم وعبادتهم وفيه بشارة وتخويف أما البشارة فلأنه إذا كان غنيا عن الأشياء فلو أعطي جميع ما خلقه لعبد من عبيده لا شيء عليه لاستغنائه عنه.
وهذا يوجب الرجاء التام وأما التخويف فلأن الله إذا كان غنيا عن العالمين فلو أهلكهم بعذابه فلا شيء عليه لاستغنائه عنهم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم} أي لنطلبنها حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل والتكفير إذهاب السيئة بالحسنة {ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون} أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة وقيل يعطيهم أكثر مما عملوا.
قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} معناه برا بهما وعطفا عليهم والمعنى ووصينا الإنسان بوالديه أن يفعل بهما ما يحسن نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان والأحقاف في سعد بن أبي وقاص.
وقال ابن إسحاق: سعد بن مالك الزهري وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس لما أسلم وكان من السابقين الأولين وكان بارا بأبيه.
قالت له أمه: ما هذا الذي أحدثت والله ما آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ويقال يا قاتل أمه ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت كذلك يوما آخر وليلة فجاءها فقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية وأمره بالبر والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك فذلك قوله تعالى: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} وفي الحديث: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله» ثم أوعد بالمصير إليه فقال: {إلي مرجعكم فأنبئكم} أي فأخبركم {بما كنتم تعملون} أي بصالح أعمالكم وسيئاتها أي فأجازيكم عليها.
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين} أي في زمرة الصالحين وهم الأنبياء والأولياء وقيل في مدخل الصالحين وهو الجنة.
قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي} يعني أصابه بلاء من الناس افتتن {في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله} أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة والمعنى أنه جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه وهو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر {ولئن جاء نصر من ربك} أي فتح ودولة للمؤمنين {ليقولن} أي هؤلاء المنافقون للمؤمنين {إنا كنا معكم} أي على عدوكم وكنا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا فأكذبهم الله تعالى فقال: {أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين} أي من الإيمان والنفاق {وليعلمن الله الذين آمنوا} أي صدقوا فثبتوا على الإيمان والإسلام عند البلاء.
{وليعلمن المنافقين} أي بترك الإسلام عند البلاء قيل نزلت هذه الآية في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا.
وقال ابن عباس: نزلت في الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر وهم الذين نزلت فيهم {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} وقيل هذه الآيات العشر من أول السورة إلى ها هنا مدنية وباقي السورة مكية {وقال الذين كفروا} يعني من أهل مكة قيل قاله أبو سفيان {للذين آمنوا} أي من قريش {اتبعوا سبيلنا} يعني ديننا وملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم فذلك قوله: {ولنحمل خطاياكم} أي أوزاركم والمعنى إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فأكذبهم الله بقوله: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون} في قولهم نحمل خطاياكم {وليحملن أثقالهم} أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم {وأثقالا مع أثقالهم} أي أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزار أنفسهم.
فإن قلت قد قال أولا وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وقال ها هنا وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم فكيف الجمع بينهما.
قلت: معناه إنهم لا يرفعون عنهم خطيئة بل كل واحد يحمل خطيئة نفسه ورؤساء الضلال يحملون أوزارهم ويحملون أوزارا بسبب إضلال غيرهم فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم {وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون} أي سؤال توبيخ وتقريع لأنه تعالى عالم بأعمالهم وافترائهم.
قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث} أي فأقام {فيهم} يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده {ألف سنة إلا خمسين عاما} فإن قلت فما فائدة هذا الاستثناء وهلا قال تسعمائة وخمسين سنة قلت فيه فائدتان إحداهما: أن الاستثناء يدل على التحقيق وتركه يظن به التقريب فهو كقول القائل عاش فلان مائة سنة فقد يتوهم السائل أنه يقول مائة سنة تقريبا لا تحقيقا فإن قال مائة سنة إلا شهرا أو إلا سنة زال ذلك التوهم وفهم منه التحقيق.
الفائدة الثانية: هي لبيان أن نوحا صبر على أذى قومه صبرا كثيرا وأعلى مراتب العدد ألف سنة.
وكان المراد التكثير فلذلك أتى بعقد الألف لأنه أعظم وأفخم هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله وأن نوحا لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم فصبر في الدعاء ولم يؤمن من قومه إلا قليل فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة من آمن بك.
قال ابن عباس: بعث نوح لأربعين سنة وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس فكان عمره ألفا وخمسين عاما.
وقيل في عمره غير ذلك.
قوله تعالى: {فأخذهم الطوفان} أي فأغرقهم {وهم ظالمون} قال ابن عباس مشركون {فأنجيناهم وأصحاب السفينة} يعني من الغرق {وجعلناهم} يعني السفينة {آية} أي عبرة {للعالمين} قيل إنها بقيت على الجودي مدة مديدة وقيل جعلنا عقوبتهم بالغرق عبرة.
قوله تعالى: {وإبراهيم} أي وأرسلنا إبراهيم {إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه} أي أطيعوا الله وخافوه {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} أي ما هو خير لكم مما هو شر لكم ولكنكم لا تعلمون {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} أي تقولون كذبا وقيل تصنعون أصناما بأيديكم وتسمونها آلهة {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا} أي لا يقدرون أن يرزقوكم {فابتغوا} أي فاطلبوا {عند الله الرزق} فإنه القادر على ذلك {واعبدوه} أي وحدوه {واشكروا له} لأنه المنعم عليكم الرزق {إليه ترجعون} أي في الآخرة {وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم} أي مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم فأهلكهم الله {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.
قوله تعالى: {أولم يروا} قيل هذه الآيات إلى قوله فما كان جواب قومه يحتمل أن تكون من تمام قول إبراهيم لقومه وقيل إنها وقعت معترضة في قصة إبراهيم وهي في تذكير أهل مكة وتحذيرهم ومعنى أو لم يروا أو لم يعلموا {كيف يبدىء الله الخلق} أي يخلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة {ثم يعيده} أي في الآخرة عند البعث {إن ذلك على الله يسير} أي الخلق الأول والخلق الثاني {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} أي انظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم {ثم الله ينشىء النشأة الآخرة} أي ثم إن الله الذي خلقهم ينشئهم نشأة ثانية بعد الموت والمعنى فكما لم يتعذر عليه إحداثهم مبدئا كذلك لا يتعذر عليه إنشاؤهم معيدا بعد الموت ثانيا {إن الله على كل شيء قدير} أي من البداءة والإعادة {يعذب من يشاء} عدلا منه {ويرحم من يشاء} تفضلا {وإليه تقلبون} أي تردون {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} قيل معناه ولا من في السماء بمعجزين والمعنى أنه لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء وقيل معنى قوله ولا في السماء لو كنتم فيها {وما لكم من دون الله من ولي} أي يمنعكم مني {ولا نصير} أي ينصركم من عذابي {والذين كفروا بآيات الله} يعني القرآن {ولقائه} أي البعث {أولئك يئسوا من رحمتي} يعني الجنة {وأولئك لهم عذاب أليم} فهذا آخر الآيات في تذكير أهل مكة ثم عاد إلى قصة إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو احرقوه} قال ذلك بعضهم لبعض وقيل قال الرؤساء للأتباع {اقتلوه أو حرقوه} {فأنجاه الله من النار} أي بأن جعلها بردا وسلاما قيل إن في ذلك اليوم لم ينتفع أحد بنار {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} يصدقون {وقال} يعني إبراهيم لقومه {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا} أي ثم تنقطع ولا تنفع في الآخرة وقيل معناه إنكم تتوادون على عبادتها وتتواصلون عليها في الدنيا {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا} تتبرأ الأوثان من عابديها وتتبرأ القادة من الأتباع ويلعن الأتباع القادة {ومأواكم النار} يعني العابدين والمعبودين جميعا {وما لكم من ناصرين} أي مانعين من عذابه {فآمن له لوط} أي صدقه برسالته لما رأى معجزاته وهو أو من صدق إبراهيم وأما في أصل التوحيد فإنه كان مؤمنا لأن الأنبياء لا يتصور فيهم الكفر {وقال} يعني إبراهيم {إني مهاجر إلى ربي} إلى حيث أمرني ربي فهاجر من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم هاجر إلى الشام ومعه لوط وامرأته سارة وهو أول من هاجر إلى الله تعالى وترك بلده وسار إلى حيث أمره الله بالمهاجرة إليه.
قيل هاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة {إنه هو العزيز} أي الذي لا يغلب والذي يمنعني من أعدائي {الحكيم} الذي لا يأمرني إلا بما يصلحني.
قوله تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب} يقال إن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من نسله {وآتيناه أجره في الدنيا} هو الثناء الحسن فكل أهل الأديان يتولونه ويحبونه ويحبون الصلاة عليه والذرية الطيبة والنبوة من نسله هذا له في الدنيا {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} أي في زمرة الصالحين قال ابن عباس مثل آدم ونوح. اهـ.